النشاطات التربوية وتقنيات التنشيط التربوي بالمخيم
مقدمة : يصعب حصر مفاهيم التنشيط وما يطرحه من إشكاليات عديدة ومتنوعة لذلك يستحسن تقديم بعض المقاربات بغية الوصول إلى تعاريف أعدها بعض الباحثين، مفعمة ببعض الخصائص والوظائف التي تفسر هذه العملية وعلاقتها مع باقي العلوم.
في البداية نجد أن السيد رايمون لابوغي ( R.LABOURI ) مدير الدراسات السابق بالمعهد الوطني للتربية الشعبية بفرنسا يعرف التنشيط بكونه " مجموعة من الأعمال يسيرها ويحدد محتواها أشخاص يجتمعون في إطار جمعيات حرة بغية تحديد أهداف تربوية وثقافية واجتماعية خارج أوقات العمل الاحترافي وتتمركز أهدافه حول الحياة العائلية ودور الأنشطة الترفيهية والتربوية والرياضية و الثقافية والتطوعية كما أنه مجال المؤسسات الرياضية والثقافية والتطوعية العمومية والشبه العمومية".
ونجد أن بيمهوف ( PIMHOF ) يعطى مقاربة تعريفية فحواها " أن التنشيط عمل بواسطة أو من أجل جماعة أو شريحة في وسط اجتماعي غايته تنمية التواصل وبناء الحياة الاجتماعية بالاعتماد على وسائل علمية ومناهج متلائمة ومتجددة تحقق الاندماج وتحفز على المشاركة الاجتماعية والثقافية وتسهل سبل التكيف مع الأشكال الجديدة للحياة والمساعدة على التخلص من أسباب عدم التكيف وحياة الهامش ".
وبذلك يكون التنشيط قطاع أساسيا في الحياة البشرية عامة والمجتمعات خاصة، وتفعيله منوط بكل مؤسسات المجتمع الرسمية والتطوعية، غايتها العامة ارتقاء اتجاهات وعـلاقات الأفـراد والجماعات عبر عمل مكثف ومباشر وبوسائل بيداغوجية متراصة لذلك:
فلا يمكن أن تتم عملية التنشيط بمعزل عن المنشط فردا أو جماعة.
يستوجب التركيز على أهمية التواصل ضمنيا بأن التنشيط يساعد على تنميته وتحسين مستواه.
التقيد بالمناهج التربوية والبيداغوجية كتقنيات فاعلة مباشرة أو غير مباشرة من أجل رفع مستوى التنشيط في أبعاده الاندماجية والتكيفية والتوافقية والإنمائية المحفزة للأفراد والجماعات.
من خصائص التنشيط: يستنتج مما سبق أن عملية التنشيط تتميز بعدة خصائص منها:
أنها عبارة عن مجموعة من الممارسات المؤسسة على موارد تنشيطية متنوعة، تبرمج وتصنف ويشرف على تنفيذها أناس متوفرون على دراية تخصصية في هذا المجال يدعون بالمنشطين، يقومون بمهامهم بشكل احترافي عبر مقاولة خاصة أو بعقد عمل مع مؤسسة أو ضمن علاقة نظامية مع الدولة، أو على سبيل التطوع داخل مؤسسات تهتم بالوقت الثالث ( الحر ) وذلك لفائدة أفراد أو جماعات يطلق عليهم المنَشطون ويراعى في التعامل معهم عدة خصوصيات، كالسن والزمان والمكان والحاجيات والاهتمامات. أنها تتسم بالانفتاح على الجميع، ولا تأبه في الاستفادة باشتراط مستوى دراسي أو اجتماعي. أنها تحقق الرفع من المستوى الفكري والثقافي المساعد على إدارة الحياة دون اللجوء إلى امتحان أو تلتزم بمنح شواهد. أنها تحفز على القيام بالمشاريع الإنمائية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبر تسهيل عملية التواصل والتوافق بين الأفراد. من وظائف التنشيط: تتوزع وظائف التنشيط إلى ما يلي:
وظيفة الاندماج والتكيف الاجتماعي:
ترمي العملية التنشيطية إلى إعداد الأفراد لمواجهة التغيرات المطردة التي تعيشها المجتمعات كالظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية بتوفير مناخات اجتماعية لائقة تساعد على إدراك الذات والمحيط ومدى مسؤولية الأشخاص والجماعات إزاء تلك التقلبات وما يجب عليهم القيام به.
إنعاش وتوسيع سبل التواصل والتوافق للحماية من السقوط في براثن الانحراف والجنوح وخاصة عند الأطفال والشباب.
2- وظيفة التقويم والعلاج:
يحقق التنشيط هذه المهمة في الوقت الذي يكون فيه قادرا على مواجهة وتكملة للنقص الحاصل في ميادين التربية والثقافة والرياضة والإعلام العاملة بشكل رسمي أو تطوعي والموكولة لها تأطير المواطنين وتنظيمهم، بمدهم بوسائل التعبير المتحضرة وإدارتهم لمسؤولياتهم إزاء السلوكيات المضطربة المضادة للمجتمع بعلاجها وتقويمها ورعايتها.
وظيفة ربط العلاقات: وتتطلب هذه الوظيفة رعاية الناشئة منذ الصغر على أسس الصراحة والعدالة والحرية، مع جميع أطراف العملية التنشيطية مؤسساتية كانت أو تطوعية.
وظيفة الترفيه والترويح: وهي وظيفة هامة خاصة أثناء الأوقات الحرة حيث تلعب العملية التنشيطية أدوارا من أجل تنظيم وتوجيه النشاطات الرامية إلى تسلية التثقيف الذاتي وتنمية الشخصية بشكل متوازن.
وظيفة التثقيف: وهي وظيفة تحتاج إلى مجوعة من الأدوات المعرفية التي يستطيع الفرد توظيفها في حياته ليتمكن من التفاعل الإيجابي والتعايش الحميمي داخل وسطه.
من هو المنشط ؟ المنشط هو المحرك الأساسي للعملية التنشيطية ونظرا لكون سمات التواصل داخلها تتسم بالتفاعلية ( ضد الأحادية )، فإنه من الممكن تبادل الأدوار داخل العملية التنشيطية، ويصبح المنشط منشطا والعكس صحيح، شريطة توفر القدرة على إبداع وتنمية الأنشطة ذات الأبعاد التربوية والثقافية والرياضية والاجتماعية.
التواصل التفاعلي:
مرسل بلاغ بلاغ متلقي
التواصل الأحادي:
مرسل بلاغ متلقي
ومن جهة ثانية يعتبر المنشط هو الشخص المؤهل للإسهام في تحقيق أحلام المجتمع وطموحات أبنائه في كل الميادين، ومن مواصفاته:
الاقتناع بالانخراط في للعمل في مجال التنشيط. الالتزام بتثقيف الذات والانفتاح على كافة العلوم باعتبارها إحدى الروافد المنعشة لآلية التنشيط. الالتزام بالتكوين واستكمال التكوين والإسهام في التكوين. التمكن المتطور من تقنيات التنشيط. القدرة على التنسيق و التسيير والتدبير. القدرة على تفعيل الحوار وتقبل النقد والاختلاف. الدرة على الاستمرار في التضحية والتطوع.
ومن وظائف المنشط:
وظيفة رجل العلاقات العامة. وظيفة تربوية كمدرب مقتدر. المحافظة على مال وممتلكات الجماعة. رجل الحالات الصعبة. التقني الذي يساهم في تصحيح وتطوير العلاقات الإنسانية. رجل العلم والمعرفة. رجل الضبط والقانون. فهذه إذا وظائف ومواصفات المنشط التي تميزه عن غيره وتؤكد أنه ليس بإمكان كل شخص امتهان هذه المهمة احترافا أو تطوعا مهما كانت المجالات العملية التنشيطية خاصة عندما تكون موجهة نحو ناشئين ( أطفالا ) يعتبر القانون في حكم العاجزين ويعتبرن لدى مجتمعات أخرى ملوكا غير متوجين.
التنشيط بالمخيم الصيفي: عند البداية في تهيئ أي مشروع تنشيطي بالمخيم الصيفي أو غيره لابد من طرح التساؤلات التالية:
من ننشط ؟ لماذا ننشط ؟ بماذا ننشط ؟ أين ننشط ؟ لمن ننشط ؟ بعد الإجابة على هذه الأسئلة يتم الولوج إلى المجال العلمي بالانطلاق من:
الإعداد الفني والبيداغوجي للمشروع التنشيطي. التقويم المالي والزمني للمشروع التنشيطي. برمجة المشروع. تنفيذ المشروع عبر مراحل تخضع فيه كل مرحلة إلى التقويم. تقويم المشروع لرصد مدى نجاحه وإدراك المعوقات والمتطلبات، لتدارك سلبياته. والتنشيط التربوي وتقنياته قد تخص مربيا لفريق داخل المخيم التربوي كما تهم الطاقم التربوي بكامله طيلة المحلة التخييمية، وقبلها وبعدها، قصد تفعيل التخييم التربوي كمؤسسة للتنشيط في محيطها الاجتماعي، وذلك عبر تمكينها من الإسهام في تلبية حاجيات أبنائه في التربية والرعاية والتوجيه والترويح والترفيه خاصة وأنه مؤسسة من مؤسسات استثمار الأوقات الحرة التي لا تتسم بالركون والاستقرار حيث بإمكان الناشئ أن يتعرف من خلالها على أنماط ثقافية واجتماعية وجغرافية واقتصادية قد لا تسمح له بمعرفتها مؤسسات أخرى، لذلك لابد للمنشط من:
إيمانه بالمخيم الصيفي ودوره في تكوين جيل الأطفال الذي سيصبح مجتمع المستقبل. اعترافه بأهمية وحيوية التنشيط بكونه مقترنا بتقبل المسؤوليات المناطة به بصدد الإشراف والرعاية والتوجيه. إيمانه العميق أن كل خبرة جديدة تهيئ الطفل هي جزء يكمل المناهج ويحقق الأغراض. المساواة بين الأطفال من حيث المستوى الإدراكي والاجتماعي والخدمات دون تفاضل إلا بقدر ما يعطي الطفل من اهتمامات وقدرات في مختلف الأنشطة التي يشارك فيها. تشجيع الأطفال والاستماع لآرائهم وتقديرها والعمل بها في الاتجاه الموضوعي السليم. الإيمان بروح التعاون بين الأطفال لأن جل الأنشطة المنظمة بالمخيم لا يمكن تنفيذها إلا بشكل جماعي يقتضي من الطفل التعاون مع رفاقه بصدق وإخلاص. إعطاء الآباء والأمهات الصورة الحقيقية لحياة أطفالهم معززة بملاحظات وتوجيهات واقتراحات تحفزهم للبحث عن سبل التواصل مع باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة ذات الطابع التربوي. النشاطات التربوية بالمخيم: تنقسم النشاطات التربوية بالمخيم إلى قسمين:
1- الأنشطة المستمرة:
أو ما يطلق عليها اسم الأنشطة العادية ن وهي تلك النشاطات التي تزاول باستمرار بالمخيم ( كالأناشيد، الألعاب، الأشغال اليدوية...)
الأنشطة الكبرى: أو ما يطلق عليها اسم الأنشطة الغير العادية ( الاستثنائية ) وهي تلك النشاطات التي نزاولها مرة أو مرتين خلال المرحلة التخييمية ( الألعاب الكبرى، كرميس، الخرجات والجولات، المسابقات الثقافية...)
ونهدف من وراء مزاولة الأطفال لهذه الأنشطة تنمية ملكات الطفل الحسية والعقلية والنفسية والجسمية من ذكاء وتنافس واعتماد على النفس ودقة وانتباه وتنمية روح العمل الجماعي والصدق والنزاهة وتقبل النتائج كيفما كانت مع إبراز الشخصية وتحمل المسؤولية.
وقبل ممارسة هذه الأنشطة لابد من توفير ما يلي:
إعدادالبطاقة الفنية. مراعاة المكان والزمان. اختيار الموضوع وربطه بالهدف. الشرح باستعمال كل عناصر التشويق. التهيؤ والاستعداد مع توفير كل ما يحتاجه النشاط. هذه كانت بعض الإشارات البسيطة لمفهوم النشاطات والتنشيط وتقنياته وأبعاده وأساسياته، نرجو أن تساهم وتحفز العاملين في الحقل الاجتماعي المختص في التربية والثقافة والتنمية بالبحث والتنقيب في الدراسات والخبرات والتجارب بما يدعم مسيرة البناء والارتقاء عامة ويدعم العمل التربوي بالمخيمات ومراكز الاصطياف الأطفال على وجه الخصوص.